الخميس، 26 مارس 2009

قِراءة خاصة جداً حول تعدد الزوجات للرجل ! (1)

قال الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (3) سورة النساء.
قال الإمام القرطبيُّ في معنى "ألا تعولوا": "ذلك أقرب إلى ألا تميلوا عن الحقِّ وتجوروا". وقال سبحانه: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلَّ الميل فتذروها كالمعلَّقة وإن تُصلِحوا وتتَّقوا فإنَّ الله كان غفورًا رحيمًا". فالتعدُّد ليس واجبًا ولا مندوبًا، أي ليس مدعوًّا إليه ومحبَّبًا فيه، بل هو ممَّا أباحه الإسلام، فأباح الله سبحانه وتعالى للإنسان تعدُّد الزوجات وقصره على أربع؛ فللرجل أن يجمع في عصمته في وقتٍ واحدٍ أكثر من واحدة، بشرط أن يكون قادرًا على العدل بينهنَّ في النفقة والمبيت وبقيَّة حقوقهنَّ عليه، فإذا خاف الجُور وعدم الوفاء بما عليه من تبعات حَرُم عليه أن يتزوَّج بأكثر من واحدة، وأكرِّر: "حرُم"، بل إذا خاف الجور بعجزه عن القيام بحقِّ المرأة الواحدة حَرُم عليه أن يتزوَّج أصلاً حتى تتحقَّق له القدرة على الزواج. ومع أنَّ الإسلام قيَّد التعدُّد بالقدرة على العدل وقصره على أربع، فقد جعل من حقِّ المرأة أو وليِّها أن يشترط ألا يتزوَّج الرجل عليها، فلو شرطت المرأة ذلك صحَّ الشرط ولزم، وكان لها حقُّ فسخ الزواج إذا لم يفِ لها بالشرط، ولا يسقط حقُّها في الفسخ إلا إذا أسقطته ورضيت بمخالفته، على تفصيلٍ كبيرٍ في كتب الفقهاء. فأمر التعدُّد من باب الضرورات، أي الاستثناء وليس القاعدة، وهو يرجع إلى الضرورات الاجتماعيَّة والاحتياج والاتِّفاق والتراضي، فما لا يعجب واحدةً قد يرضي أخرى، وهكذا، كما أنَّ هناك فارقٌ بين المُباح والمُتاح، فالشرع أباح الأمر استثناءً وبضوابط، لكن هل هذا الأمر متاحٌ لكل أحدٍ نفسيّا واجتماعيّا وصحيّا واقتصاديّا؟ بالطبع لا.
.
.
يقول الدكتور محمد شحرور في كتابه "نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي – فقه المرأة (الوصية – الإرث – القوامة – التعددية – اللباس)": علاقة الشرط بالجزاء في آية تعدد الزوجات .. ( النساء - 3 ) ألم يستوقفكم وجه ارتباط الجزاء في هذه الآية بالشرط الذي بدأت به؟إذا كانت الإجابة: بلى؛ فتعالوا إلى مناقشة دراسة إسلامية معاصرة فسرت هذه الآية ..كما تعلمون، فقد تباينت تأويلات هذه الآية، وقد اختلف المفسرون في فهم ارتباط أول جزاء ورد فيها بالشرط الذي سبقه، فضلا عن اختلافهم في فهم معاني بعض كلماتها ومدلولاتها.. سأتطرق لنقاط رئيسية مختصرة ذكرها الدكتور محمد شحرور في معرض شرحه للآية:
.
1. أطلق الكم حتى الأربعة، وقيد الكيف بأن تكون الزوجة الثانية حتى الرابعة من الأرامل ذوات الأيتام، وأن يتزوجهن الرجل ويأخذهن كزوجات مع أولادهن. في هذه الحالة ضم أولاد الأرامل في الإعالة والتربية إلى أولاد الزوج، وفي هذه الحالة ينطبق على الزوج قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} (النساء 6). فإذا أخذ الرجل ثلاث أرامل زوجات وضم أولادهن إلى أولاده فهذا يعني أنه أصبح كثير العيال وأصبح عليه عبء مالي كبير جدا، في هذه الحالة نفهم قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} أي تعدلوا بين الأولاد (أولاده وأولاد زوجاته الأرامل) وهنا ظهر فعل (عدل) بين أولاده وأولاد زوجاته، أما فعل (قسط) فقد جاء لليتامى فقط أي طرف واحد لأنه بدأ الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى} فإذا خاف ألا يعدل بين الأولاد فواحدة، وبما أن الكلام عن التعددية فالخطاب للمتزوج لذا بدأ بالمثنى، فالواحدة هنا تعني الثانية وليست الأولى، أي إذا كان الرجل قادرا على التعددية من الناحية المالية، فقد شجعه الله سبحانه وتعالى أن يتزوج على الأقل أرملة واحدة زوجة ثانية ويأخذها مع أولادها، وقد أكد على هذا المعنى في نهاية الآية بقوله {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}.
.
2. وجاء الحل بقوله تعالى: " فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" وهنا جاء الأمر الإلهي بعدم التعددية والاكتفاء بالزوجة الأولى في حالة الخوف من العول والوقوع فيما أشرنا إليه من عدم العدل.
.
3. قالوا إن عدم الإنجاب يبرر للرجل الزواج من ثانية وثالثة، وكأن العقم والعقر من آفات المرأة التي لاتصيب الرجال. وقالوا إن الشبق الجنسي عند الرجل يبرر له التعددية، وغفلوا عن أن الرجل والمرأة في هذه المسألة سواء، لا بل ذهب البعض إلى أن المرأة أوفر حظاً فيه من الرجل. وقالوا إن عجز المرأة عن القيام بدورها كزوجة بسبب المرض الطويل أو العارض الدائم يبرر للرجل الزواج ثانية وثالثة، ونتساءل نحن: أرأيت لو كان الرجل هو العاجز المريض؟ هل يجوز للمرأة أن تتزوج عليه؟ وقالوا.. وقالوا.. لكننا لم نجد ظلاً لما قالوه في التنزيل الحكيم.
.
4. يقول الدكتور محمد إلى أن المجتمع هو الذي يقرر العمل بالتعددية أو عدم العمل بها، ناظراً في قراره إلى تحقق شروط التعددية الواردة في الآية أو عدم تحققها. لكن عليه في الحالين أن يعتمد الإحصائيات وآراء الناس فيستفتيهم في إقرار التعددية أو في إلغائها. فإذا تقرر الإقرار في بلد مثل سوريا مثلاً، فالقرار صحيح، وإذا تقرر الإلغاء في بلد مثل السعودية مثلاً فالإلغاء صحيح. وفي كلا الحالتين لايحمل القرار الطابع الأبدي.فلا يمكن للحرام أن يُحَلَّل، ولكن يمكن للحلال أن يُمنَع ومنعه لايحمل الطابع الأبدي الشمولي. وإذا حمل الطابع الشمولي والأبدي فهذا هو الحرام وهو من اختصاص الله سبحانه وتعالى حصراً، حتى الرسل والأنبياء لايحق لهم التحريم، ولكن يحق لهم الأمر والنهي في حقل الحلال."
.
.
خلاصة القول : أن آية التعدد هنا جاءت في إطار معين في وضع كان يعيشه المسلمون في وقت من الأوقات تنتج عنه ظروف اجتماعية كالأرامل والأيتام جرّاء الحروب ، بمعنى آخر الآية خصت ولم تعمم والله أعلم .